الاختبارات الوزارية في اليمن بين الواقع والطموح



                                                         * بقلم : عبد الوهاب أحمد الدار
*مدير الإدارة الفنية في التوجيه الوزاري



        تأتي الاختبارات التحصيلية للشهادتين الأساسية والثانوية لقياس مدى تحقق الأهداف التعليمية لدى أبنائنا الطلاب والطالبات خلال سنوات التُّعلم المختلفة في المراحل الأساسية والثانوية.
وكما هو معروف لدينا بأنَّ التَّحصيل العلمي والمعرفي تراكمي بداية من الصفوف الأولى حتى أواخر المرحلة الثانوية، وقد غابت عن أذهان الآباء والأمهات والمعلمين والطلاب قضية التحصيل التراكمي للمعرفة فأصبحت اختبارات النقل بمثابة الانتهاء من التَّحصيل العلمي لذلك العام الدراسي، ولا يلبث أن يأتي العام المقبل فتبدأ معلومات جديدة.
        وهنا ندرك بأنَّ الطلاب لم يتم تهيئتهم نفسياً ، وذهنياً ، وعلمياً ؛ لكي يدركوا قيمة ما يتعلموه وأن التَّحصيل العلمي يكون تراكمياً يبقى مع الطالب للتعلم اللاحق.
هذه الثقافة المغلوطة جعلت التعلم التراكمي السنوي ليس له قيمة في نفوس المتعلمين ، بل الوصول للشهادة والنجاح هو الهدف والغاية ، ويبدأ عام جديد ، ومعلومات جديدة ، ما تلبث أن تنتهي وتتلاشى في نهاية العام ، وهذا أحد الأسباب القوية جداً لوجود صعوبة وغموض في الاختبارات الوزارية للشهادة الأساسية والثانوية.
نشعر بالأسى والحزن لما نشاهده أثناء التنقل في المراكز الاختبارية في عموم المديريات والمناطق التعليمية من مظاهر الغش المختلفة : (دخول الكتب الدراسية، الهواتف الذكية، أوراق وبراشيم صغيرة بأشكال وألوان متعددة، بالإضافة إلى محاولات الغش من الأقران في نفس القاعات ، والابتزاز الذي يحدث من قبل بعض رؤساء المراكز والملاحظين ..... إلخ).
وعندما نتمعن جيداً في هذه القضية ، ونعمل الفكر فيها نتوصل إلى أنَّ القائمين على العملية التعليمة والتربوية هم أنفسهم منذ سنوات طويلة كمدراء ووكلاء مدارس، أو معلمين ومعلمات، أو موظفين إداريين في المناطق التعليمية ومكاتب التربية، ويتم اختيار رؤساء المراكز الاختبارية ونوابهم في عموم الجمهورية من هؤلاء، وكذلك الملاحظين، بل بعضهم اكتسب خبرة طويلة في عمله في المراكز الاختبارية لسنوات طويلة.
وعجباً أن نجد قيم وأخلاق المهنة قد تنهار عند بعضنا فنجده ضعيفاً جداً بما لا يتوافق مع خبرته الطويلة، وسيرته الحسنة التي عرف بها.
فنراه يتنصل عن المسؤولية الملقاة على عاتقه كتربوي ومعلم أجيال لسنوات طويلة ، فلا يقوم بعمله تجاه وطنه وأبناء أمته ، بل يتقاعس عن أداء الواجب بحجج واهية وضعيفة ، ويظل حبيس الجدران يشاهد ما يحدث في الميدان ، بل ينخرط في بث الإشاعات وانتقاد الواقع ، وتزييف الحقائق ، والنيل من العمل التربوي والتعليمي ، وينسى أنه يسئ إلى نفسه كتربوي أولاً، وإلى الجهة التي يعمل بها ثانياً، وأنَّه تنصل عن المسؤولية والأمانة الملقاة على عاتقه ، وعن القيام بواجبه في أحلك الظروف ، وترك المجال لغيره من العابثين والفاسدين لكي يحلوا محله ويقوموا بدوره.
وصنف آخر من التربويين ضعفت نفسيته ، وانهارت قيمه وأخلاقه ، فتراه يمد يديه إلى بضعة نقود تحت مبررات واهية وسخيفة لا تنسجم مع ما يحمله من رسالة سامية كمعلم للقيم والأخلاق، ويساعد على عملية الغش في الاختبارات الوزارية ، وينسى أنَّه قبض تلك النقود ثمناً لقيمه ، ودينه ، ومكانته التربوية ، وخبرته الطويلة.
أمَّا الطلاب فينظرون إليه بنظرة احتقار وازدراء لمن كان يعلمهم القيم والأخلاق، وأصبح مثلهم الأعلى بهذه الصورة المحتقرة والضعيفة والواهية، والتي لن يجني منها سوى العار،  والنظرة السيئة ،وفوق ذلك كله غضب الله ومقته.
ونحن عندما نشخص الواقع لا بد أن نضع جملة من الحلول والمقترحات والتي يمكن أن تعالج الوضع القائم الآن ، وكذلك للأعوام القادمة بإذن الله، وهي كالتالــــــي:
       1            التهيئة النفسية والذهنية ، لأبنائنا الطلاب والطالبات ، والاهتمام بالتحصيل العلمي في كل المراحل الدراسية ، وبيان قيمة ما يتعلمه الطلاب وارتباطه بالتعلم اللاحق.
       2            زيادة الوعي الأسري ، وذلك بالاهتمام بالأبناء ، ومتابعة التحصيل الدراسي، وعقد الندوات والورش لمجالس الآباء والأمهات على مستوى المديريات ،ويتم فيها التركيز على القضايا السلبية ، وكيفية التخلص منها.
       3            تفعيل دور اللجان الأمنية المخصصة للقيام بالعمل الأمني في المراكز الاختبارية قبل شهرين على الأقل من بدء الاختبارات الوزارية من خلال المحاضرات، والندوات ،والمنشورات الهادفة ، وبيان قيمة العمل الأمني وأهميته ، وتوضيح المهمة التي سيقومون بها .
       4            تفعيل دور الإعلام التربوي والذي كان غائباً تماماً هذا العام سواء على مستوى الوزارة ، أو مكاتب التربية والمديريات ، وذلك من خلال الإذاعات المدرسية الهادفة ،والنشرات التربوية، والمطويات الإعلامية، وتهيئة الميدان للاختبارات الوزارية وأهمية التحصيل العلمي.
       5            تفعيل دور الإعلام الرسمي بكافة أنواعه :المقروء ، والمسموع ، والمنظور، وعقد اللقاءات والندوات ، واستضافة المتخصصين من التربويين، وإنتاج البرامج، والفلاشات والإعلانات الهادفة.
       6            عقد الورش التربوية لرؤساء المراكز الاختبارية ونوابهم ومن يعملون بكنترولات المراكز الاختبارية من قبل شهر من بداية الاختبارات؛ لزيادة النمو المعرفي والعملي من أجل تجويد العملية الاختبارية.
       7            قيام الإدارة العامة للاختبارات في الوزارة ، وإدارات الاختبارات في المحافظات بواجبها في متابعة المتقدمين للاختبارات الوزارية منذ وقت مبكر، وأن يتم تحديث قاعدة البيانات بطريقة حديثة ، ومما لاحظناه هذا العام أن بعض المتقدمين للاختبارات الوزارية تم عمل لهم بطاقات تقدم أيام الاختبارات وبعضم التحق بالاختبارات بدون أرقام جلوس ؛ مما سبب العشوائية في الميدان التربوي ،وظهور اختلالات عديدة بسبب عدم ضبط عملية التقدم للاختبارات الوزارية ،وإجراء الفحص للوثائق منذ وقت مبكر ٍوفق آلية معينة ومزمنة ؛ لكي يتسنى للجهات المعنية في المحافظات من معالجة تلك الحالات.
       8            ضبط عملية التنقل للطلاب بين المحافظات، حيث يتم نقل الطلاب في الشهادة الأساسية والثانوية إلى محافظات ومديريات معينة؛ من أجل الحصول على معدلات مرتفعة من خلال عملية الغش الكبير، والتي عرفت بها تلك المناطق ، وهذا معروف منذ سنوات طويلة. وللأسف نجد تلك الأوامر صادرة من قيادات تربوية عليا في مكاتب التربية في المحافظات ومن شخصيات اعتبارية في قيادة الوزارة، وقد مثل هذا العام الدراسي 2017م أعلى نسبة من عملية التنقل بين المحافظات.
       9            تفعيل دور المجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني من خلال إقامة البرامج والورش الهادفة وزيادة الوعي الوطني بأهمية التحصيل العلمي ، وخطورة ظاهرة الغش على المجتمع ، والنتائج السلبية والوخيمة لتلك الظاهرة ، وأن يكون للمجالس المحلية والشخصيات الاجتماعية والاعتبارية دوراً كبيراً ورافداً للجهات التربوية ، وسنداً لها ؛ لكي تقوم بواجبها على أكمل وجه .

وفي الأخير نأمل أن نتغلب على الصعوبات والمعوقات ، وأن نستشعر المسؤولية والأمانة الملقاة على عاتقنا جميعاً ، وأن نقوم بواجبنا نحو أمتنا وطننا ، وأن يسعى الجميع لما فيه المصلحة العامة ، وأن العمل التربوي والتعليمي يعتبر من أقدس الأعمال وأقربها إلى الله كيف لا ، وهي تتعلق بالتنشئة والتعليم والتربية لفلذات أكبدانا جيل اليوم ورجال المستقبل والذين سيكون منهم :الطبيب، والمعلم ، والمهندس ، والقاضي ، والوزير ، والرئيس....إلخ



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكرا لزياراتك ويسرنا ما تكتب من تعليق أو استفسار أو مشاركة .